العبادة غاية الخلق شمول العبادة لمناحي الحياة العبادة عبادة اللهالعبادة غاية الخلق شمول العبادة لمناحي الحياة العبادة عبادة الله

العبادة غاية الخلق: شمول العبادة لمناحي الحياة

مدخل تمهيدي

يعتقد بعض الناس أن العبادة تقتصر على أداء الشعائر الدينية كالصلاة والحج وقراءة القرآن … ولا علاقة لها بباقي أمور حياتنا. فما مدى صحة هذا الاعتقاد؟ وما مفهوم العبادة في الإسلام؟ وما هي حدودها؟ وكيف نجعل حياتنا خالصة لوجه الله؟

المحور الأول العبادة غاية الخلق:

تعتبر العبادة هي غاية الله من خلقه لنا، وتصديق ذلك في قول ربنا سبحانه وتعالى: (وَمَا خَلَقْتُ اُ۬لْجِنَّ وَالِانسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِۖ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ يُّطْعِمُونِۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ هُوَ اَ۬لرَّزَّاقُ ذُو اُ۬لْقُوَّةِ اِ۬لْمَتِينُۖ) سورة الذاريات الآيات 56-58. فالله سبحانه خلقنا لعبادته ولم يخلقنا لإطعامه ولا لرزقه، فالله هو القوي الرزاق. بالتالي فمطلوب الله من عباده هو العبادة. كما قال الله سبحانه (اَفَمِنْ هَٰذَا اَ۬لْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَٰمِدُونَۖ  فَاسْجُدُواْ لِلهِ وَاعْبُدُواْ۩ۖ) سورة النجم الآيات 58-61

  • فماذا تعني العبادة وما منشأها؟
  • وما شروط كمالها؟
  • وما هي ثمرات الإخلاص فيها؟

مفهوم العبادة:

العبادة هي غاية الذل وغاية الحب لله تعالى، أي هي الخضوع والانقياد والتذلل لله عز وجل، خوفا منه وطمعا فيما عنده، وحبا له تعالى. بالتالي فهي سعي دائم لإرضاء الله سبحانه بكل الطرق وفي جميع الأعمال.

منشؤها:

فإذا كانت العبادة هي غاية الذل وغاية الحب لله تعالى، فهي تنشأ بتوفر هذين الأمرين الأساسيين:

  1. غاية الذل: أي كمال التواضع والافتقار الناتج عن الخوف من عذاب الله والطمع في مغفرته، قال تعالى: (تَتَجَاف۪يٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ اِ۬لْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاٗ وَطَمَعاٗ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَۖ) سورة السجدة الآية 16. كما هو واضح فعنضر الذل حاضر هنا مع الخوف والطمع. كذلك فالسجود أيضا حركة تعبر عن تذلل العبد لربه إذ يضع رأسه على الأرض إمعانا في التذلل.
  2. غاية الحب: أي أن يكون الله أحب إلى المؤمن مما سواه، قال تعالى: (وَمِنَ اَ۬لنَّاسِ مَنْ يَّتَّخِذُ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ أَندَاداٗ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اِ۬للَّهِۖ وَالذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّاٗ لِّلهِۖ) سورة البقرة الآية 16.

إن الآية السابقة تجعل من الحب عبادة لا يجوز إلا لله تعالى، فاتخاذ محبوب آخر ندا له في الحب هو نوع من الشرك. بالتالي، فوصف الإيمان لا يصح إلا لمن يحب الله وحده أكثر من غيره. كما أن على المؤمن أن يقوم بكل أعماله منطلقا من الحب ومتصفا بالإيمان، تصديقا لقول الحق سبحانه: (لَن تَنَالُواْ اُ۬لْبِرَّ حَتَّيٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۖ )سورة آل عمران الآية 92.

شروط تحقق كمال العبادة:

لكي تكون العبادة صحيحة وكاملة ومقبولة عند الله لابد من توفرها على الشروط التالية:

  • إخلاص النية لله: فالله تعالى لا يرضى أن يشرك به في النية. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ لا يقبلُ من العملِ إلَّا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهُه) رواه النسائي؛
  • توالي العمل الصالح: بحيث لا ينقطع العمل الصالح قَلَّ أو كثر؛
  • تعظيم شعائر الله وحرماته: أي عدم الاستهانة بالمحرمات والإقبال على المأمورات؛
  • محبة الله والتذلل له؛
  • الاتباع دون الابتداع: أي موافقة السنة النبوية؛
  • الاختيار وعدم الإجبار: أن يقوم العبد بالعبادة طوعا من غير أن يجبره أحد من المخلوقات عليها.

نتائج وثمرات إخلاص العبادة لله:

إذا أخلص العبد لله فلا بد ان تتحقق له الأمور التالية:

  • دخول الجنة: وهذا وعد الله للمؤمنين العابدين والله لا يخلف الميعاد؛
  • التحرر من عبودية غير الله: فمن ملأ قلبه بالخوف من الله لا يخاف من غيره. بالتالي يتحرر من كل خوف إلا خوف الله؛
  • الإحساس بالعزة والكرامة: فمن علم أن الله معه لا يهمه من يكون ضده. كما قال الله سبحانه: (إِنَّ اَ۬للَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ اِ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٖ كَفُورٍۖ ) سورة الحج الآية 36؛
  • النصر والتمكين في الأرض؛
  • قبول الأعمال واستجابة الدعاء: هو نتيجة مباشرة للإخلاص لله.
  • الراحة النفسية: وهي دلالة النفس المطمئنة.

المحور الثاني: شمول العبادة لمناحي الحياة كلها

إن العبد المؤمن الحقيقي هو الذي يستطيع أن يجعل من حياته مسجدا مفتوحا، وحجا دائما. فهو يتمثل قول الله سبحانه وتعالى: (قُلِ اِنَّ صَلَاتِے وَنُسُكِے وَمَحْي۪آےْ وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ اِ۬لْعَٰلَمِينَ (164) لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُۖ وَأَنَآ أَوَّلُ اُ۬لْمُسْلِمِينَۖ) سورة الأنعام الآيتان 164-165. يعبد الله بما فرض عليه، ويحيى حياته لله بعمل القربات ونوافل العبادات. كما يقبل على مساعدة الناس فيما يحتاجون من أمورهم، ويتقن أعماله مستعينا بالله ذاكرا إياه. بالتالي، إذا مات مات على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهو لا يملك من أمره شيئا. بل إن حياته ومماته لله رب العالمين، خالصة له وحده. وفي ما يلي بيان لذلك :

صلاتي ونسكي:

هي من العبادات المفروضة، ودلالة عليها، ومثلها الصوم والزكاة، والنسك الذبح في حج أو عمرة. وهي عبادة خالصة كما قال الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرِۖ) سورة الكوثر الآية 2.

محياي ومماتي:

أي أن حياتي كلها لله، كالأكل والشرب إذا نويت بذلك الاستقواء لأجل العبادة، والعلم والعمل إذا نويت بهما رفع الجهل والاستعانه به على عبادة الله. كذلك الموت على الإيمان، وكل شيء، قال صلى الله عليه وسلم: (ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك). رواه البخاري

لله رب العالمين لا شريك له:

هذا يدل على إخلاص النية لله تعالى: فلا بد للمؤمن أن ينوي بعمله وجه الله، فإن قصد بالأكل التقوي على العبادة وفعل الخير فهو عبادة. أيضا، إن قصد من الزواج بالإضافة إلى المتعة التحصن من الزنا وتكثير عباد الله فهو عبادة. كذلك إن قصد من العمل حماية نفسه من الفقر والإنفاق على أهله من الحلال فهو صدقة يؤجر عليها.

استنتاج:

الإخلاص لله والحب فيه يجعل من الحياة كلها عبادة، بل يجعل منها مسجدا مفتوحا على الآفاق.

المزيد من دروس الثانية

تصفح كتاب المنير في التربية الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error

المرجو مشاركة الدروس مع من تعرف من التلاميذ