التوحيد والحريةعلاقة التوحيد بالحرية

التوحيد والحرية

تمهيد:

يعدّ التوحيد أساس الإيمان بالله، والحرية من أعظم القيم التي كرّم الله بها الإنسان. فالتوحيد يحرر الإنسان من عبودية الخلق إلى عبودية الخالق، والحرية في الإسلام ليست انفلاتًا من الضوابط بل التزامٌ بمنهج العبودية لله.

فما العلاقة بين التوحيد والحرية؟ وكيف تتحقق حرية الإنسان في ظل التوحيد؟

المحور الأول: مفهوم التوحيد والحرية وعلاقة التوحيد بتحرير الإنسان:

مفهوم التوحيد:

التوحيد لغة: هو جعل الشيء واحدا غير متعدد، واصطلاحا: التوحيد: هو إفراد الله تعالى بالعبادة والإقرار بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. وعدم مشابهته لأحد من خلقه. قال الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَےْءٞۖ وَهُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ ٩) (الشورى 9) فهذه الآية تبين مباينة الله لخلقه. وقوله تعالى: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ اِلَّا يُوح۪ىٰٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا فَاعْبُدُونِۖ ٢٥ ﴾ (الأنبياء: 25) وهذه الآية تُبيّن أن جوهر الرسالات جميعًا هو توحيد الله بالعبادة، ونفي الشرك عنه.

مفهوم الحرية وضوابطها:

أ‌-        مفهوم الحرية: هي استقلال إرادة الإنسان والانفلات من القيود التي تكبل طاقاته وقراراته وقدراته على الإبداع والتعبير.

ب‌-     ضوابط الحرية:

           – ألا تضر بالغير أو تمس حريته.

          – أن تنضبط للشرع وليس الهوى.

أحقية عقيدة التوحيد بالاتباع والمحبة:

التوحيد أعظم ما يحبّ في قلب المؤمن لأنه يورث الطمأنينة ويقوّي الإيمان، ويجعل العلاقة بالله قائمة على المحبة أكثر الخوف.

قال تعالى:﴿ وَلَٰكِنَّ اَ۬للَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ اُ۬لِايمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِے قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ اُ۬لْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَۖ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لرَّٰشِدُونَ ٧ ﴾ (الحجرات: 7)

فهذه الآية تبين أن محبة الإيمان غريزة في قلوب المؤمنين، وهي دليل على صدق توحيدهم.

علاقة التوحيد بالحرية

التوحيد هو الطريق إلى الحرية الحقيقية، لأنه يحرر الإنسان من عبودية المخلوق والشهوة والهوى، ويربطه بالله فقط.

وقال النبي ﷺ: “تعس عبدُ الدينار، تعس عبدُ الدرهم…” (رواه البخاري).

هذا الحديث يظهر أن عبودية المال تناقض التوحيد. وبالتالي تجعل متحكما آخر في الانسان وهو المال، وهو ما يناقض الحرية الحقيقية التي يحققها التوحيد.

كما قال ربعي بن عامر جوابا على رستم الفارسي: “لقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة…” فالإسلام جاء لتحرير الناس من عبادة بعضهم.

المحور الثاني: مظاهر الحرية في ظل التوحيد

إخلاص العبودية لله تحرر كامل للإنسان:

إن التوجه لله بالعبادات والأعمال والإخلاص في ذلك هو عين الحرية، إذ أن الإنسان لا يتعلق بغير الله في ذلك. قال تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُۖ ٤)، (الفاتحة 4) أي لا نعبد غيرك ولا نستعين بغيرك فنحتاج له أو نتعلق به، وكذلك قول الله تعالى: ( قُلِ اِنَّ صَلَاتِے وَنُسُكِے وَمَحْي۪آےْ وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ اِ۬لْعَٰلَمِينَ ١٦٤ لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُۖ وَأَنَآ أَوَّلُ اُ۬لْمُسْلِمِينَۖ ١٦٥) (الأنعام 164-165 ) أي أن كل أعمالي لله وحده وأنا متحرر من غيره. أحيى لله وأخافه، ولا أخاف غيره من إنس أو جن.

تحرير العقل البشري من الجمود والتقليد ودعوته إلى التفكير والإبداع:

لقد دعا الإسلام إلى نبذ التبعية العمياء، واستعمال العقل في البحث عن الحق. قال الله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اُ۪تَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اَ۬للَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآۖ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَئْاٗ وَلَا يَهْتَدُونَۖ ١٦٩ ) (سورة البقرة 169).

تحرير الإنسان من الخضوع لسلطان الغرائز والملذات:

إن الانسان لا يستعبد من الغير فقط، بل قد تستعبده نفسه وأهواؤه وغرائزه، وهذا أشد أنواع العبودية المؤدية إلى الضلال. قال الله تعالى: ﴿أَفَرَٰٓيْتَ مَنِ اِ۪تَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَو۪يٰهُ وَأَضَلَّهُ اُ۬للَّهُ عَلَىٰ عِلْمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِۦ وَقَلْبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَنْ يَّهْدِيهِ مِنۢ بَعْدِ اِ۬للَّهِۖ أَفَلَا تَذَّكَّرُونَۖ ٢٢ ﴾ (الجاثية: 22). فهذه الآية تصف عبودية الهوى التي تقيد الإنسان وتضيع التوحيد عنده.

وقال الرسول ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (رواه البخاري ومسلم). كما أن الحرية الحقيقية هي قدرة الإنسان على ضبط النفس ومجاهدة الهوى.

إذن، فالحرية ليست كما يتصورها البعض انغماس في عبودية الهوى والغرائز المهلكة، وإنما الحرية في التخلص من قيود الناس والنفس والهوى، وارتباط بالله وحده.

الخلاصة

التوحيد والحرية قيمتان متكاملتان؛ فبقدر ما يحقق التوحيد إخلاص العبودية لله، يحقق الحرية من كل عبودية لغيره. فلا حرية بلا توحيد، ولا توحيد بلا مسؤولية ووعي وإخلاص.

للمزيد من الدروس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *