المنهاج المنقح لمادة التربية الإسلامية (2016 وما بعده)

المنهاج المنقح لمادة التربية الإسلامية (2016 وما بعده): قراءة تحليلية مبسطة للأساتذة والمهتمين

شهدت المدرسة المغربية سنة 2016 محطة إصلاحية مهمة تمثلت في تنقيح منهاج مادة التربية الإسلامية، ضمن مشروع تجديد المناهج الدراسية في إطار تنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015–2030.
لم يكن هذا التنقيح مجرد تعديل شكلي في المقررات، بل تحول عميق في الفلسفة التربوية، وطريقة تصور التعليم الديني بما ينسجم مع قيم الإسلام السمحة، ويستجيب لحاجات المتعلم المغربي المعاصر.

الهدف من هذا المقال هو تبسيط المنهاج المنقح وشرح مرتكزاته وأهدافه الكبرى بطريقة عملية تجعل فهمه في متناول الأساتذة والمترشحين للامتحانات المهنية ومباريات التعليم.


مفهوم المنهاج والسياق العام لتنقيحه

المنهاج التربوي هو الإطار المنظم لعملية التعليم والتعلم، ويتضمن ما يقدَّم للمتعلمين من معارف ومهارات وقيم، إضافة إلى طرائق التدريس وأساليب التقويم.
ومنهج مادة التربية الإسلامية يعبّر عن الرؤية الرسمية للدولة في تربية الناشئة دينيًا وأخلاقيًا.

جاء التنقيح سنة 2016 بعد تقييم شامل للبرامج السابقة، التي أظهرت مجموعة من الملاحظات، منها:

  • طغيان الجانب المعرفي على القيمي والسلوكي.
  • ضعف الارتباط بالواقع المعاش للمتعلمين.
  • الحاجة إلى توحيد المقاربات وتبسيط المفاهيم.

استندت عملية التنقيح إلى توجيهات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي نصت على:

“ترسيخ القيم الدينية والوطنية والإنسانية في سلوك المتعلم، وجعل المدرسة فضاءً لبناء الإنسان المواطن القادر على المساهمة في التنمية.”


الأسس والمبادئ التي يقوم عليها المنهاج المنقح

بني المنهاج المنقح على مجموعة من الأسس التربوية والفكرية التي تشكل خلفيته النظرية، ويمكن تلخيصها في الآتي:

  1. الأساس الشرعي:
    اعتبار القرآن الكريم والسنة النبوية المصدرين الأساسيين للتربية الإسلامية، في انسجام مع مقاصد الشريعة وقيم الوسطية والاعتدال.
  2. الأساس الفلسفي:
    الإيمان بأن التربية الإسلامية تساهم في بناء إنسان متكامل روحًا وعقلًا وجسدًا، يعيش في توازن بين الإيمان والعمل والعلاقات الإنسانية.
  3. الأساس التربوي:
    اعتماد المقاربة بالكفايات بدل المقاربة بالأهداف، لجعل المتعلم فاعلًا في بناء تعلمه، وممارسًا لقيمه في الواقع.
  4. الأساس البيداغوجي:
    التركيز على التكامل بين المعارف والقيم والسلوك، وجعل الدرس فضاءً للتفاعل والتفكير والنقاش.
  5. الأساس المجتمعي:
    ربط المادة بالحياة اليومية للمتعلم، وجعلها تساهم في التربية على المواطنة والعيش المشترك.

بنية المنهاج المنقح ومداخله الخمسة

من أبرز التحولات التي جاء بها المنهاج المنقح إعادة تنظيم محتوى المادة حول خمسة مداخل تربوية متكاملة، بدل المكونات التقليدية (العقيدة، العبادات، السيرة، النصوص…).

1. مدخل القيم والاقتداء

يروم ترسيخ القدوة الحسنة في حياة المتعلم من خلال دراسة سير الأنبياء والرسل والصالحين، واكتشاف القيم العملية في سلوكهم.

الهدف: تربية المتعلم على الاقتداء بالنماذج الصالحة في السلوك والإيمان.

2. مدخل الاستجابة والعبادات

يعنى بتربية المتعلم على أداء العبادات عن علم ويقين، وتعميق الوعي بعلاقتها بالإخلاص والطهارة الروحية.

الهدف: الانتقال من أداء الطقوس إلى الوعي بمقاصدها التعبدية والتربوية.

3. مدخل التزكية

يهدف إلى تربية النفس على التقوى، وتنمية الوازع الأخلاقي الداخلي من خلال التربية على الإيمان والعمل الصالح.

الهدف: بناء علاقة روحية متوازنة مع الله تعالى.

4. مدخل القسط

يهتم بتربية المتعلم على قيم العدل والإنصاف واحترام الحقوق، ونبذ الظلم والغش والأنانية.

الهدف: تمكين المتعلم من السلوك القويم في التعامل مع الغير.

5. مدخل الحكمة

يعنى ببناء التفكير السليم والحوار الهادئ، وتربية المتعلم على اتخاذ القرار المسؤول والمبني على قيم الإسلام.

الهدف: تكوين متعلم حكيم قادر على معالجة القضايا الدينية والاجتماعية بعقل راشد وروح مؤمنة.

هذه المداخل ليست منفصلة، بل تكوّن وحدة متكاملة تنسج منها شخصية المتعلم المؤمن المصلح.


الغايات والكفايات المستهدفة

حدد المنهاج المنقح مجموعة من الغايات الكبرى التي تشكل المقاصد النهائية لتدريس المادة، من أبرزها:

  • التزكية الروحية والمعنوية للنفس.
  • تكوين متعلم معتز بدينه، متخلق، متوازن.
  • بناء مواطن منفتح على القيم الإنسانية النبيلة.

أما الكفايات الأساسية فهي:

  • كفايات تواصلية: التعبير عن القيم والمواقف الدينية بوضوح واحترام.
  • كفايات فكرية: التحليل، المقارنة، الاستدلال بالنصوص.
  • كفايات وجدانية: تذوق الجمال في النصوص القرآنية والحديثية.
  • كفايات سلوكية: تحويل التعلم إلى سلوك عملي يومي.

تتضافر هذه الكفايات لبناء إنسان قادر على الاختيار الواعي والعيش المتوازن بين الإيمان والعمل.


المقاربات البيداغوجية المعتمدة

يعتمد المنهاج المنقح على مجموعة من المقاربات التي تنسجم مع فلسفة الكفايات، أهمها:

  1. المقاربة بالكفايات:
    المتعلم فاعل، والأستاذ ميسر، والمعرفة تبنى جماعيًا.
  2. بيداغوجيا الإدماج:
    ربط التعلمات بحياة المتعلم الواقعية من خلال وضعيات إدماجية.
  3. بيداغوجيا المشروع:
    جعل المتعلم منخرطًا في مشاريع جماعية ذات بعد قيمي (مثلاً: مشروع تضامني أو بيئي).
  4. بيداغوجيا الخطأ:
    تحويل الخطأ إلى فرصة للتعلم لا إلى حكم بالفشل.
  5. التعلم النشط:
    تحفيز المتعلم على المشاركة الفعلية من خلال الحوار، المناقشة، العروض، والأنشطة العملية.

طرائق التدريس ومراحل بناء الدرس

يتطلب تطبيق المنهاج المنقح إتقان المنهجية التعليمية التي تضمن سير الدرس في تسلسل منطقي وفعّال:

  1. التمهيد:
    يربط المتعلم بين الدرس وحياته اليومية أو مكتسباته السابقة، ويثير فضوله للتعلم.
  2. البناء:
    يعرض فيه النص الشرعي أو الحالة التعليمية، ويناقش المتعلم مع زملائه لاستخراج المفاهيم والمعاني.
  3. التقويم:
    يتحقق فيه من مدى الفهم والتطبيق من خلال أسئلة ووضعيات بسيطة.
  4. الإدماج:
    يوظف فيه المتعلم ما تعلمه في مواقف جديدة، مثل كتابة فقرة، أو تمثيل وضعية حياتية.

بهذه المراحل يتحول التعلم من حفظ إلى وعي وممارسة.


التقويم في المنهاج المنقح

يعتبر التقويم عنصرًا جوهريًا في المنهاج، لا يقتصر على قياس التعلمات، بل يهدف إلى تحسينها وتوجيهها.
من أنواعه:

  • التقويم التشخيصي: في بداية التعلم لتحديد مستوى المتعلم.
  • التكويني: لمرافقة التعلم وتصحيح المسار أثناء الدرس.
  • الإجمالي: لقياس درجة تحقق الكفايات في نهاية الوحدة.
  • الإدماجي: لقياس قدرة المتعلم على توظيف ما تعلمه في وضعيات مركبة.

يفضل أن تكون أدوات التقويم متنوعة: الأسئلة، الملاحظات، الروائز، والأنشطة التفاعلية.


مستجدات المنهاج ومميزاته

من أبرز ما جاء به المنهاج المنقح:

  • الانتقال من التركيز على المعارف إلى التركيز على القيم والسلوك.
  • اعتماد لغة تربوية مبسطة تراعي الفئة العمرية.
  • إدماج الأنشطة الإدماجية في الكتب المدرسية.
  • التنسيق بين الأسلاك التعليمية لضمان التدرج.
  • تعزيز المكون القيمي وربطه بالواقع.
  • الانفتاح على الوسائط الرقمية والعروض التفاعلية.

المنهاج الجديد يسعى إلى تكوين “المتعلم الفاعل” لا “المتلقي السلبي”.


التحديات والرهانات

رغم إيجابيات المنهاج، فإن تطبيقه الميداني لا يخلو من صعوبات، أبرزها:

  • محدودية الزمن المخصص للمادة.
  • ضعف التكوين الديداكتيكي لدى بعض المدرسين الجدد.
  • غياب الوسائل التربوية الملائمة في بعض المؤسسات.
  • صعوبة تقويم القيم والسلوكيات بشكل موضوعي.
  • الحاجة إلى التكوين المستمر وتبادل التجارب التربوية.

هذه التحديات لا تقلل من أهمية المنهاج، بل تحفّز على تطوير الممارسة الميدانية وتحسين ظروف تنزيله.


الخاتمة

يمثل المنهاج المنقح للتربية الإسلامية خطوة استراتيجية في مسار إصلاح التعليم الديني بالمغرب، لأنه يوازن بين الأصالة والمعاصرة، ويربي على القيم دون إقصاء أو انغلاق.
فهو منهاج يربط المعرفة بالإيمان، ويجعل من التعلم سلوكًا وموقفًا حياتيًا.

وتبقى مهمة الأستاذ حاسمة في ترجمة روح هذا المنهاج داخل القسم، لأن جودة الممارسة هي التي تحول الوثائق إلى تربية حقيقية، وتحوّل النصوص إلى قيم حيّة في سلوك المتعلمين.
وبذلك يتحقق المقصد الأسمى: تزكية النفس، وتنوير العقل، وبناء الإنسان الصالح المصلح.

أضف تعليق