تعليم الأجيال قبل المونديال. ماذا تعني؟ ولماذا؟
تعليم الأجيال قبل المونديال. ماذا تعني؟ ولماذا؟
إن تعليم الأجيال حق ثابت مكتسب لدى جميع البالغين سن التعلم. وإن تنظيم المونديال طموح يسعى إليه المغرب منذ عقود. لكن، هل يقدم تنظيم المونديال على تعليم الأجيال؟
تعليم الأجيال:
إن التعليم حق للمتعلمين وواجب على الدولة بنص الدستور، ومقدم على كل الأعمال بل إنه مقدم على الاقتصاد نفسه، فالاقتصاد بدون تعليم سيكون ريعا لا يخدم إلا طبقة صغيرة ويعمل على استدامة الجهل والعبودية حصرا للثروة في يد هذه الطبقة الصغيرة. بل العكس من ذلك فالتعليم يعمل على تنمية الثروة في البلاد، وتوزيعها بالعدل بين العباد، إن تعليم الأجيال هو السبيل الوحيد لجعل بلد ما يرتقي من الحضيض إلى قمم المجتمعات والأمم. كما أن تجهيل الأجيال بالتركيز على التفاهة وتشجيعها سيكون كفيلا بإسقاط الأمم مهما كانت قوتها وجبروتها.
أمم قديمة أهملت تعليم الأجيال فأهملها التاريخ:
إن أمة المغول خير مثال، فبالرغم من قوتها وجبروتها سقطت بعد مدة قصيرة. وذلك لأنهم قدموا السطوة والتوسع على العالم، على حساب تعليم الأجيال. كما أنهم قد سقطوا بسرعة، بل إنهم ورغم تفوقهم العسكري والاقتصادي المرافق له، لم يصمدوا كثيرا، بل سقطوا أمام الأمم التي كانوا يستعبدونها. وبالرغم مما كانوا عليه من القوة العسكرية لم يكن لهم أي أثر ثقافي على الأمم التي احتلوها. كما لم يتركوا أي أثر مادي حضاري يبرهن أو يعبر عن حقبتهم ومستواهم العلمي. وذلك نتيجة لكونهم أهملوا تعليم الأجيال وطمحوا إلى تنظيم المونديال أي إلى حكم العالم.
أمم قديمة قدمت التعليم قديما فبقي طيب ذكرها:
إن الأمم التي قدمت تعليم الأجيال على تنظيم المونديال أي حكم العالم قد حققت الأمرين معا، إذ علمت أجيالها فاستفادت من عقول مؤهلة وراقيه تجعلها تحكم العالم لمئات بل آلاف السنين. وأهم هذه الأمم الفرس والروم والإغريق والمسلمون. وقبلهم جميعا الفينيقيون فهم الذين اخترعوا الكتابة وعلموها لأبنائهم ونشروها في العالم، ونشروا معها أسلوب حياتهم. بالتالي حكموا العقول فخضعت لهم البلدان وأسسوا دولا عمرت لمئات السنين أخضعت أمما في مختلف قارات العالم وأقاليمه.
أمم أعطت أولوية لتعليم الأجيال اليوم فانبعثت من تحت الرماد:
في هذه الفقرة لن نتحدث عن الدولة المغربية، بل عن دول عربية وافريقية وآسيوية علمتنا كيف أن تعليم الأجيال كفيل بنقل الدولة من دركات الفقر والتخلف إلى مدارج الدول الراقية. وإليك بعض النماذج:
سنغافورة:
هي جزيرة صغيرة في جنوب شرق آسيا تفتقد للثروات الطبيعية والتجانس البشري. وبعد استقلالها عام 1965، وجد رئيس وزرائها الدولة غارقة في التخلف والفساد في كل القطاعات. لكنه لم يستسلم للامر، بل بادر إلى الإصلاح وبدأ بتعليم الأجيال. وانطلاقا من ذلك الوقت وضعت عدة خطط لإصلاح التعليم، كان أهمها ما تم في التسعينيات حيث استطاع نقل البلاد كليا من التخلف إلى مراقي التقدم. كما أصبح الطلاب السنغافوريون يحصدون الجوائز التعليمية كل سنة.
وقد كان في قلب الإصلاح إشراك المتعلم وترقية المعلم ماديا ومعنويا. وأخذ الاقتصاد في التقدم حتى أصبحت سنغافورة مركزا اقتصاديا وماليا عالميا رغم صغرها. كما أصبحت مقصدا للطلاب من جميع دول العالم إذ استقبلت في عام 2007 وحدها 85,000 طالب. وفي عام 2015 استقبلت حوالي 150,000 طالب من 120 دولة. ولك أن تتخيل دولة بحجم سنغافورة تستقبل كل هذا العدد الهائل في عام واحد. لكن، لا تتعجب إنها سنغافورة صاحبة التعليم رقم واحد في العالم. بالتالي فتعليم الأجيال عند العقلاء أهم من أي حدث آخر. لأنه هو الطريق الوحيد لبلوغ الأهداف.
دولة قطر
هي دولة عربية صغيرة جدا غنية بالموارد، لكن تعليمها لم يكن ذا شأن قبل نهاية التسعينيات. حيث بدأ الإصلاح الفعلي للتعليم عام 1998. وقد تكلفت به السلطات العليا للبلاد، وربطت مصير الدولة به، حيث تم تعزيز الهوية العربية والإسلامية للدولة، والتركيز على القيم كما تم اعتماد التكنولوجيات الحديثة وجعل التلميذ والمعلم في قلب عملية الإصلاح. حيث أن الأول مستفيد والثاني منفذ لخطة الإصلاح، وأعطيت الأولوية لترقي الأساتذة علميا واجتماعيا وماديا، إذ تم تأهيلهم بالتكوينات الدائمة والمتخصصة. كما تم دعمهم بما يستحقون من أجرٍ مجزٍ. بالتالي حصلت قطر على تعليم عالي الجودة، يصنف ضمن الاربعة الاوائل عالميا والأول عربيا حسب مؤشر دافوس. والنتيجة شعب راق ومتعلم ومتفتح ومتقدم ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا، فاستحقت بذلك ما وصلت إليه من تقدم. كما استحقت تنظيم المونديال عام 2022. وبالتالي تصح مقولة تعليم الأجيال قبل المونديال.
رواندا:
هذه الدولة الفقيرة في شرق أفريقيا، كانت في التسعينيات تعاني من توترات وحروب أهلية أودت بما يقارب المليوني إنسان. لكن رواندا انتشلت نفسها من تحت الركام والرماد، وبدأت بالمصالحة بين أطياف الشعب، ثم في مطلع الألفية الثالثة بدأت في إصلاح التعليم.
بالتالي سلوك منهجية تعليم الأجيال باعتبارها أكبر فرصة تملكها البلاد، ولتحولها ثروة بشرية هائلة، نفذت عدة إصلاحات جعلت من المعلم والتلميذ نواة العملية بأسرها. فضمنت الحق في التعلم للجميع ووفرت الظروف المناسبة للعمل بالنسبة للمعلمين. وذلك في عدة محاولات إصلاحية كان أهمها بداية من 2003. وفي 2008 استبدلت رواندا فيه الفرنسية بالإنجليزية، ثم اعتمدت نظاما يسمى تكنولوجيا الاتصال من أجل التعليم ICT4E يعتمد على الوسائل الحديثة من منصات وألواح الكترونية.
كما اطلقت في عام 2019 قمرا صناعيا لتغطية القرى النائية بالإنترنت قصد توفيرها لجميع المتعلمين باعتبارها الوسيلة الأهم في التعليم والتعلم عندهم. وعلاوة على ذلك، وزعت لوحا إلكترونيا مزودا بالأنترنت لكل تلميذ. كما بلغت نسبة المساواة في التعليم 50.8% للذكور و 49.2% للاناث، بعدما أطلقت سياسة المساواة في التعليم عام 2008. والنتيجة دولة راقية جدا، وشعب متعلم وراقٍ، واقتصاد متنامٍ وطموح، انبعث من تحت رماد الحروب الأهلية. كل ذلك، بسواعد وعقول مخلصة ووطنية، انه اقتصاد ينفع الجميع، إنه اقتصاد المعرفة.
التجربة المغربية حيث المونديال قبل تعليم الأجيال:
إن التجربة المغربية مختلفة تماما عن كل التجارب الأخرى، فحتى وإن كنا حصلنا على الاستقلال منذ ثلثي قرن، إلا أن التعليم في نكوص دائم. والسبب أن كل وزير أو حكومة إلا ويأتي بنظام جديد يضرب سابقه ويبدأ من جديد، بل إن جل الوزراء لم يعتمدوا على خطة وطنية تضعها عقول مغربيه. بل يستنسخون ما يحلو لهم من تجارب الدول الأخرى التي لا تشبهنا في شيء. ثم ينزلونها بطريقة تفتقد إلى المصداقية والواقعية، في بلد لا علاقة له ثقافيا مع مصدر التجربه. وهذا أمر لن يكتب له النجاح ما دام لم يأت من عقول عارف بخبايا الأمور، وملمة بالظروف والثقافة المحلية.
إضافة إلى ذلك، فإصلاح التعليم في المغرب لا يضع نصب عينيه تعليم الأجيال بصدق، بل دائما ما يعتبر فرصه للنهب وتوزيع الغنائم.
ومما يدل على ذلك، أن كل الإصلاحات السابقة والحالية صرفت فيها ملايير الدراهم دون أن يصل منها درهم واحد لقطبي الرحى المعلم والمتعلم. بل إن هذه الدراهم محرمة على المدرسة نهائيا. فلا وجود لمكتبات ولا مختبرات ولا قاعات متعددة الوسائط أو قاعات الاعلاميات. هي فقط مجرد جدران فارغة. فهذه الميزانيات تقف عند حدود المديريات المركزية والجهوية والإقليمية.
لا يصل إلى المدرسة من هذه الأموال إلا الدخان الذي يعمي العيون، القوانين المجحفة في حق هيئة التدريس، كما لو كان الأمر يتعلق بعدوّ. فإذا انتفض المعلم ليطلب حقه، أجيب بأن الموارد المالية لا تكفي. وكأن الأموال لا توجد إلا للملاعب والمهرجانات. وهذا خلل كبير في تقديم الأولويات وتدبيرها. مما يدل على عدم نجاعة تعليمنا منذ زمن، فهذه القرارات المجحفة ناتجة عن عقل لم يتعلم بشكل جيد.
وبالتالي فقد صدق من قال: تعليم الأجيال قبل المونديال، حتى لا تبقى مثل هذه العقليات المتعفنة متحكمة في كل الأوضاع.
تنظيم المونديال
إن تنظيم المونديال طموح يسعى إليه الجميع ومن بينهم المغرب. ولكنه يبقى من الكماليات، وإن كان لا ينكر دوره الاقتصادي على البلاد. إلا أن هذا الدور الاقتصادي لا نضمن انعكاسه بالفائدة على جميع فئات المجتمع. بل من الراجح أن يعود نفعه إلى فئة محدودة جدا ومعروفة سلفا. بالتالي، فلا ينبغي أن يعطى كل هذا الاهتمام على حساب قطاعات أهم منه، ويدوم نفعها على الوطن سواء على المدى البعيد أو المتوسط كقطاع التعليم. فالتعليم يبني العقل الذي يبني الاقتصاد الحقيقي، ويفيد الجميع، وليس اقتصاد الريع الذي يهم فئة قليلة تتوارثه جيلا عن جيل.
وبناء على ما سبق، ليس من العقل أن تعطى كل هذه الأولوية لمجال ترفيهي ويهمل التعليم بهذه الطريقة. كما لا يتصور عاقل أن يمنح مدرب كرة القدم النسوية مليوني درهم في الشهر، وترصد للملاعب ملايير الدراهم، وتنظم المهرجانات بملايين الدراهم، ثم يقال للمعلم اصبر لا يوجد مال، ويتم تجميد رصيده في 5000 درهم منذ سنين طويله. فهذا هو الحمق بعينه.
وخلاصة الكلام أن تعليم الأجيال قبل المونديال، ومقدم عليه. وبالتالي وجوب اهتمام الدولة بالأجيال الصاعدة وإعدادها لتكون صالحة لتنظيم ما هو أعظم من المونديال. وإلا فالأموال التي سترصد لهذا الحفل الكروي ستضيع هباء. فبم ينفع المونديال وفي البلاد جوعى وعطشى وجهال؟ بماذا يفيد تنظيم المونديال والشعب بدون تعليم ولا تربية ولا مأوى يليق به؟ كيف يتم تنظيم المونديال ومدارسنا مهدمة أو شبه مهدمة؟ كأننا قد خرجنا لتونا من حرب. كيف تريدون تسويق صورة المغرب هل هو شعب راقٍ أو مجموعة من اللصوص والجهال والجوعى؟ الكاميرا في أيديكم فصوروا وسوقوا ما شئتم.
للمزيد من مقالات الرأي