المحتويات
اعتراف الأمم المتحدة بمشروع الحكم الذاتي في الصحراء الغربية المغربية وردّ فعل المغرب
مقدّمة
لطالما شكّلت قضية الصحراء الغربية محوراً حادّاً في العلاقات الإقليمية شمال-غرب إفريقيا. كما كانت تشكل مصدر توتّر بين المملكة المغربية وجوارها، وعلى رأسه دولة الجزائر. إثر انسحاب إسبانيا من المنطقة عام 1975، دخلت المنطقة في نزاع طويل حول مصيرها. فمن جهة، المقترح المغربي بالتسوية ضمن سيادتها، ومن جهة أخرى مطلب استقلالي يتبنّاه جبهة البوليساريو بدعم جزائري.
إنّ توقيت هذا التطوّر ليس عابراً، ففي خضمّ تغيّرات دبلوماسية دولية وإقليمية، جاء موقف الأمم المتحدة ليرسم منعطفاً نوعياً. إذ أعلن أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدّمتها المملكة المغربية تُشكّل اليوم أساساً قابلاً للتفاوض من منظور «الحلّ الواقعي والعادل». هذا الاعتراف الأممي شكّل محطة تاريخية، ليس فقط في الخطاب الدبلوماسي بل أيضاً في الواقع الميداني والتنمية المحلية للأقاليم الجنوبية.
في هذا المقال، نستعرض التحول الدبلوماسي الدولي تجاه قضية مشروع الحكم الذاتي المغربي، والاعتراف الأممي به، ردة فعل المغرب، ثم تحليل الخطاب الملكي ليوم 31 أكتوبر 2025، وختاماً انعكاسات هذا التطور على مستقبل القضية.
التحول الدبلوماسي الدولي تجاه الصحراء المغربية
منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، انتقلت قضية الصحراء الغربية من إطار وقف نزاع عسكري إلى بحث جديّ حول تكريس حلّ سياسي ممكن. في هذا المسار لعبت الأمم المتحدة دور الوسيط والمراقب، عبر بعثة MINURSO، التي أسّسها مجلس الأمن عام 1991 لإعداد استفتاء تقرير المصير. 1
مع ذلك، فشل المسار التقليدي للاستفتاء في تحقيقه بسبب الخلافات الطويلة حول قائمة الناخبين ومحتوى الاستفتاء. شبه البعض أن MINURSO أصبحت «مذبحة بروتوكولية» أكثر من أداة لحلّ فعلي. 2
في السنوات الأخيرة، بدأت مجموعة من الدول الكبرى تُعبّر صراحةً عن دعمها للمقترح المغربي للحكم الذاتي، باعتباره الخيار الأكثر واقعية. مثلاً، بريطانيا صرّحت بأن المبادرة المغربية تشكّل “الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق” لحلّ النزاع. 3
ولم يكن هذا المناخ الدولي مجهودا للمغرب وحده، بل انعكاس لتغيّرات جيو-سياسية تشمل المصالح الأمريكية-الأوروبية، وتحولات في العلاقات المغاربية. في هذا الإطار، جاء النص الأممي الجديد ليعكس تحوّلاً في لغة مجلس الأمن والاعتراف بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية «قد يُشكّل الحلّ الأكثر قابلية للتطبيق». 4
من هذا المنطلق، أصبح ما كان يُعتبر مطلباً طموحاً للمغرب وصفقة مرنة مع الواقع الدولي، أصبح اليوم مدعوماً رسمياً من الأمم المتحدة، وهو أمر يضع المغرب في حالة دبلوماسية فاعلة أكثر من قبل.
مشروع الحكم الذاتي المغربي
قدّمت المملكة المغربية في عام 2007 ما عرف بمبادرة “الحكم الذاتي” للأقاليم الجنوبية (الصحراء)، تحت سيادتها، كإطار تفاوضي للحلّ النهائي. 5
أبرز مكوّنات المشروع:
- إنشاء جهات تتمتع بصلاحيات تنفيذية وتشريعية محلية منتخَبة من سكان المنطقة، ضمن الدولة المغربية. 6
- أن تظل الدولة المغربية تحتفظ بقطاعات السيادة مثل الدفاع، الشؤون الخارجية، العملة، الدين، والعلاقة مع المؤسسات الدولية. 7
- تطوير تنموي واسع في الأقاليم الجنوبية: البُنى التحتية، الطاقة المتجددة، الزراعة، السياحة، ربط الأقاليم بالداخل. 8
لماذا اعتُبر هذا المشروع مبادرة جدّية؟
- لأنه قدّم حلّاً وسطياً يجمع بين احترام السيادة الوطنية للمغرب ومنح سكان الصحراء درجة عالية من الحكم الذاتي، وهو ما جعله قابلاً أكثر للتطبيق من خيار الاستقلال الكامل الذي رفضته الرباط.
- لأن دعمه الدولي بدأ يزداد بمرور الزمن، ما أعطاه مصداقية أكبر في المفاوضات.
- لأن تنفيذ المشروع على الأرض بدأ يتحقّق عبر مشاريع اقتصادية وتنموية جعلت من الأقاليم الجنوبية نموذجا للتنمية داخل المغرب، مما عزّز الحجة المغربية أمام المجتمع الدولي. 9
بهذا أصبح مشروع الحكم الذاتي المغربي ليس مجرد مقترح تفاوضي بل حصاناً استراتيجياً للدولة المغربية في وجه النزاع.
اعتراف الأمم المتحدة بمصداقية المبادرة المغربية
في 31 أكتوبر 2025، شهدت القضية منعطفًا جوهريًا: حيث تبنّى مجلس الأمن الدولي قرارًا جديداً تحت رقم 2797، يُعدّ الأكثر وضوحاً في دعم مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. 10
ما تضمنه القرار:
- صراحة بأن “الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكّل الحلّ الأكثر قابلية للتطبيق” للنزاع. 11
- إضافة إلى تجديد مهمة MINURSO لسنة إضافية مع طلب مراجعة استراتيجية خلال ستة أشهر. 12
- الإشارة إلى الدعم المتزايد لمقترح المغرب من دول كبرى، وتوجيه الدعوة للطرفين (المغرب و البوليساريو) للدخول في مفاوضات على قاعدة المبادرة المغربية. 13
لماذا يعدّ هذا الاعتراف جوهرياً؟
- لأنه أول مرة يعطى فيها قرار أممي نصاً واضحاً يدعم مشروعاً مغربياً للحكم الذاتي تحت السيادة، وليس مجرد دعوة للتفاوض أو استفتاء.
- لأنه يحوّل المبادرة المغربية من خيار تفاوضي إلى مرجعية دولية معتمدة، ما يعزّز موقف المغرب في المحافل الدولية.
- لأنه يسرّع من المسار السياسي ويضع ضغوطاً أكبر على الأطراف الأخرى — خاصة جبهة البوليساريو والجزائر — لقبول الحوار على أساس المبادرة المغربية.
تداعيات فورية:
- استبشرت المغرب بهذا القرار باعتباره نقطة تحوّل تاريخية في دفاعها عن وحدتها الترابية. 14
- على مستوى المنطقة المغاربية، يمكن أن يسهم في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين المغرب والجزائر، أو على الأقل دفع مفاوضات إقليمية.
- في الداخل المغربي، يعدّ هذا الاعتراف بمثابة دعم كبير لخيار دفعت به الرباط لعقود، ويعزّز شرعية التفكير التنموي للأقاليم الجنوبية.
ردّ فعل المغرب
ردّ فعل المملكة المغربية على هذا التطور الدولي كان سريعاً وحازماً—مزيج من الترحيب الرسمي والشعبي، وتأكيد على أن هذا القرار ليس نهاية الطريق بل بداية فصل جديد.
- صرّح العاهل المغربي، محمد السادس، بأن المغرب «يبدأ فتحاً جديداً في مسار ترسيخ مغربية الصحراء والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل». 15
- الحكومة المغربية ووزارة الخارجية رحّبت بالقرار، واعتبرته تتويجاً لجهود دبلوماسية طويلة. كما خرجت تظاهرات احتفالية في المدن الكبرى بالمغرب تعبيراً عن الفخر بهذا الإنجاز. 16
- في الخطاب الداخلي، ركز المغرب على عنصر التنمية: أن الإنجاز الدبلوماسي يجب أن يترجَم إلى واقع تنموي حقيقي في الأقاليم الجنوبية. وكذلك تعزيز الانخراط الشعبي والحقوقي لسكانها ضمن النسيج المغربي.
- من جهة أخرى، المغرب شدّد على أن هذا القرار لا يعني غياب ترسيخ الحوار. بل الدعوة إلى «الحوار الأخوي» مع الجزائر، ودعوة الأطراف الأخرى إلى الانخراط الجاد في مفاوضات على قاعدة المبادرة المغربية. 17
تحليل سريع لسلوك المغرب:
إنّ رد المغرب يعكس نضجاً دبلوماسياً مركّباً: فهو لا يكتفي بالانتصار الرمزي. بل يسعى إلى تحويله إلى بداية تنفيذية: تنفيذ تنمية، تثبيت السيادة، وحوار إقليمي. كما أن الربط بين الاعتراف الأممي والتنمية المحلية يظهر أن المغرب يرى هذه القضية ليست فقط قضية سياسية بل مشروع دولة شامل.
رأي في الخطاب الملكي ليوم 31 أكتوبر 2025
يعد خطاب الملك محمد السادس يوم 31 أكتوبر 2025 محطة مفصلية في هذا المسار. وجّه الملك خطاباً سامياً إلى الشعب المغربي بمناسبة القرار الأممي والتطورات المحيطة به. 18
أبرز ما جاء فيه:
- تأكيد الملك على أن المغرب «بدأ فتحاً جديداً» في ترسيخ مغربية الصحراء والطي النهائي لهذا النزاع. 19
- دعوة ضمنية إلى مواصلة الجهود التنموية والبناء الوطني للأقاليم الجنوبية، عبر شموليّة وانخراط محلي.
- تأكيد على أن الحلّ الذي ترنو إليه المملكة هو حلّ سياسي سلمي تجذّره المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وليس خيار الاستقلال الكامل.
- دعوة إلى الحوار والإيخاء مع الجزائر كجزء من المسار الإقليمي.
رأيي الشخصي:
هذا الخطاب يعكس ثلاثيّة إستراتيجية لدى الرباط:
- تهنئة ذات طابع تاريخي: بتعبير الملك على «فتح مبين» للمغرب، يتمّ تسجيل هذا القرار كإنجاز داخلي وخارجي.
- تحويل الدبلوماسية إلى خطة عمل: بإشارة إلى الطي النهائي للنزاع والتركيز على التنمية. كما يبدو أن المغرب يريد أن يستثمر هذا الدعم الأممي ليس فقط كإنجاز رمزي، بل كمنطلق لتنفيذ ملموس.
- تثبيت رسائل متعددة للمشهد الدولي: من جهة، تأكيد السيادة. ومن جهة أخرى، قبول الحوار، ومن جهة ثالثة، طلب شراكة إقليمية—كلها مضامين تظهر أن الملك يريد أن يضع المغرب في موقع شريك استقرار وليس طرف نزاع.
لكن، من زاوية نقدية، يمكن القول إن الخطاب رغم قوّته الرمزية، يطرح تحدي التنفيذ الفعلي: كيف سيتمّ تفعيل الحكم الذاتي؟ ما هي الآليات؟ ما هي الضمانات الشعبية؟ كيف سينخرط الطرف الآخر (البوليساريو/ الجزائر) في هذا المسار؟ الخطاب يحثّ على العمل، لكن الواقع سيحتاج إلى خطوات ملموسة.
بالتالي، الخطاب ليس مجرد احتفال؛ بل حثّ وتحفيز لمعركة أكبر: معركة التطبيق والتنفيذ، معركة ترسيخ السيادة والتنمية، معركة بناء الثقة داخلياً وخارجياً.
الآثار المستقبلية لهذا الاعتراف
على المستوى الإقليمي
قرار الأمم المتحدة هذا يفتح الباب أمام إعادة ترتيب العلاقات المغاربية: بين المغرب والجزائر، وربّما عبر وسائط دولية أوروبية أو أميركية. كما أنّه يعطي لجهة جنوب المغرب قوة تفاوضية أكبر في المشاريع التنموية والإقليمية.
على المستوى الداخلي المغربي
الأقاليم الجنوبية تتحول من «مساحات نزاع» إلى «محاور تنمية» في استراتيجية وطنية، مما يعزّز الانخراط المحلي والشعور بالمواطنة لدى السكان. هذا بدوره يعزّز الاستقرار الأمني والسياسي.
على المستوى الدولي
المغرب يصبح نموذجا يحتذى به للدول التي تسعى لتسوية نزاع إقليمي عبر مقترح حكومي-تفاوضي، ما يعزّز مكانته كطرف فاعل في الساحة الدولية. كما أن دعم خطة الحكم الذاتي قد يغري دولا أخرى بالتبني أو الاستلهام، مما يعيد صياغة مفاهيم حل النزاعات الإقليمية.
التحديات
- مشاركة الطرف الآخر: كيف ستقبل جبهة البوليساريو بالمفاوضات على قاعدة المبادرة المغربية؟
- التنفيذ: يجب وضع خارطة طريق واضحة، أطر قانونية محلية، الضمانات الدولية، الشفافية، ومشاركة السكان.
- البعد الحقوقي: رغم الاعتراف الأممي، يظل هناك مطلب دولي بمراقبة حقوق الإنسان والوضع المدني في الأقاليم الجنوبية. هذا سيظل مفتوحاً في الأجندة الدولية. 20
خاتمة
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الاعتراف الأممي بمشروع الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية المغربية يشكّل نقطة تحول تاريخية. إنه ليس مجرد نصّ قرار، بل انتصار دبلوماسي استراتيجي للمملكة المغربية، وتأكيد على جدّية مقاربتها. الخطاب الملكي ليوم 31 أكتوبر يعكس هذا التوجّه بوضوح: إذ يحوّل الإنجاز إلى دعوة للعمل، ويضع المملكة في مسار «مرحلة جديدة» ومسيرة خضراء دائمة تحمل معها الحلّ والسلام والتنمية.
لكن، كما هو الحال في كلّ تحول كبير، النجاح الحقيقي سيقاس بالتنفيذ، بالنتائج على الأرض، وبكيفية إشراك كافة الأطراف في مسيرة بنّاءة. في هذا السياق، يبقى المغرب أمام فرصة تاريخية لتعزيز موقعه، وليس فقط كطرف في نزاع، بل كفاعل استقرار وإقلاع تنموي في منطقة المغرب العربي الكبير.
إنّ مبادرة الحكم الذاتي، المدعومة اليوم رسمياً أممياً، يجب أن تتحوّل إلى مشروع تنموي-مدني متكامل لشعب الصحراء المغربية، تجسيداً لشعار “المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض وما عليها”.
مقالات مشابهة:
- عيد استقلال المغرب: ذاكرة وطن وبناء مستقبل
- الذكرى الخمسينية للمسيرة الخضراء: من ملحمة التحرير إلى ترسيخ مشروع الحكم الذاتي
- اعتراف الأمم المتحدة بمشروع الحكم الذاتي في الصحراء المغربية وردّ فعل المغرب
- حفظ القرآن الكريم: تصدر المغرب على مستوى العالم
- رحلة المغرب إلى الحرية: من الاستعمار إلى الاستقلال وتحديات المرحلة المقبلة
- المسيرة الخضراء والأجيال الجديدة: كيف نعيد إحياء الذكرى ونستفيد من الدرس؟







