المحتويات
- 1 أهمية الوضعية المشكلة في درس العبادات ضمن مادة التربية الإسلامية
- 1.1 المدخل العام: من التعليم إلى التعلم عبر الوضعية المشكلة
- 1.2 المحور الأول: البعد التربوي للوضعية المشكلة في درس العبادات
- 1.3 المحور الثاني: الأهمية التعليمية والديداكتيكية للوضعية المشكلة
- 1.4 المحور الثالث: الأثر القيمي والاجتماعي للوضعية المشكلة
- 1.5 المحور الرابع: مقترحات عملية لتوظيف الوضعية المشكلة بفعالية
- 1.6 الخاتمة: من فقه العبادات إلى فقه الحياة
أهمية الوضعية المشكلة في درس العبادات ضمن مادة التربية الإسلامية
تعَدّ الوضعية المشكلة من أهم المستجدات البيداغوجية التي عرفها المنهاج التربوي المغربي في ظل المقاربة بالكفايات، لما تحمله من قدرة على جعل المتعلم فاعلاً في بناء معارفه واكتساب قيمه وسلوكاته عن طريق التفكير، والتحليل، واتخاذ القرار. وفي مادة التربية الإسلامية، ولا سيما في مكون العبادات، تكتسي الوضعية المشكلة أهمية خاصة، لأنها تتيح الانتقال من المعرفة النظرية إلى السلوك العملي الذي يترجم القيم الإيمانية في الواقع المعيش. فدرس العبادات ليس درسًا نظريًا في فقه الطهارة أو أركان الصلاة والزكاة فحسب، بل هو مجال للتربية على التقوى، والمسؤولية، والالتزام، وإحسان العلاقة مع الله والناس.
المدخل العام: من التعليم إلى التعلم عبر الوضعية المشكلة
تقوم الوضعية المشكلة على تقديم سياق واقعي أو افتراضي يواجه فيه المتعلم إشكالاً يتطلب تعبئة مكتسباته المعرفية والمهارية والقيمية لحله، فينتقل من موقع المتلقي السلبي إلى موقع الباحث عن الحل. إنها لحظة تعلم أصيلة يتفاعل فيها العقل والوجدان والسلوك.
وفي مادة التربية الإسلامية، يكون الهدف من الوضعية المشكلة هو جعل المتعلم يفعِّل القيم الدينية في حياته اليومية، ويكتشف أن العبادة ليست طقوسًا جامدة، بل سلوكًا راشدًا يوجّه الإنسان في كل تصرفاته. ومن ثمّ فإن توظيف الوضعية المشكلة في درس العبادات ينسجم مع فلسفة المنهاج التي تجعل المتعلم محور العملية التعليمية، ومع المقاصد الشرعية التي تسعى إلى تزكية النفس وإصلاح السلوك.
المحور الأول: البعد التربوي للوضعية المشكلة في درس العبادات
إن درس العبادات، في جوهره، درس في التربية الإيمانية وتهذيب الضمير. والوضعية المشكلة تمنح للأستاذ وسيلة عملية لترجمة هذا البعد التربوي إلى سلوك ملموس. فعوض أن يلقَّن المتعلم أحكام الطهارة والصلاة والزكاة تلقينًا، يوضع أمام مواقف تستثير تفكيره الديني، وتدفعه إلى اتخاذ مواقف مسؤولة.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن يطرح على التلاميذ موقف يتردد فيه أحدهم عن أداء الصلاة في المؤسسة خشية سخرية زملائه، أو شاب يمتلك مالاً ولا يعلم إن كان عليه إخراج الزكاة. مثل هذه الوضعيات تنمِّي التفكير الأخلاقي، وتساعد المتعلم على إدراك الغاية من العبادة، وتجعله يعيش التجربة الدينية بعقله وقلبه، لا بلسانه فقط.
كما أن الوضعية المشكلة تربي على الاستقلالية في اتخاذ القرار، وتقوّي الإحساس بالمسؤولية أمام الله والمجتمع. فالطالب الذي يحلل موقفًا حياتيًا ويبحث عن الحل الشرعي الأنسب، يدرّب نفسه على الاجتهاد المنضبط، ويُكوّن وعيًا دينيًا متزنًا يميّز بين روح العبادة ومظاهرها الشكلية. ومن ثمّ، تَتحقّق التربية على التقوى بوصفها ثمرة للعبادة الواعية.
المحور الثاني: الأهمية التعليمية والديداكتيكية للوضعية المشكلة
من الناحية الديداكتيكية، تعدّ الوضعية المشكلة أداة فعالة لتفعيل التعلم الذاتي والتعلم القائم على حل المشكلات. فهي تجعل المتعلم شريكًا في بناء الدرس لا متلقيًا له، وتحوّل الفعل التعليمي إلى تفاعل بنّاء بين المعلم والمتعلم والمعرفة.
في درس العبادات، يمكن للأستاذ أن يوظف الوضعية المشكلة في مراحل متعددة: في التمهيد لإثارة الانتباه، أو أثناء الدرس لبناء المفاهيم، أو في التقويم لتعبئة الموارد.
أمثلة تطبيقية:
- في درس الصلاة: موقف حول نسيان عدد الركعات أو الالتحاق بجماعة تصلي.
- في درس الزكاة: شاب يملك مالاً ولا يعلم متى تجب عليه الزكاة.
- في درس الصيام: فتاة تتناول دواءً يوميًّا وتستفسر عن حكم صيامها.
كل هذه المواقف تحفّز التفكير، وتدفع المتعلم إلى توظيف معارفه الفقهية والقيمية بطريقة واقعية.
أما من حيث البنية، فالوضعية المشكلة تتكوّن من:
- سياق واقعي يعبّر عن حياة المتعلم.
- إشكالية مركزية تستدعي التفكير واتخاذ القرار.
- مهمة تبرز الكفاية المستهدفة.
- موارد معرفية وقيمية يوظفها المتعلم في بناء الحل.
وبذلك تخرج التربية الإسلامية من النمط التلقيني إلى التعلم النشط، حيث يصبح التفكير في معنى العبادة ومقاصدها أكثر أهمية من حفظ أحكامها.
المحور الثالث: الأثر القيمي والاجتماعي للوضعية المشكلة
الوضعية المشكلة لا تقف عند حدود الفهم والتحليل، بل تسهم في بناء السلوك والقيم. فحين يتفاعل المتعلم مع موقف حياتي يمس العبادة، يعيد تشكيل نظرته إلى الدين باعتباره نظامًا للحياة.
فالوضعية التي تعالج مثلاً موضوع التأخر عن الصلاة بسبب ضغط الدراسة، تعلّم المتعلم تنظيم وقته وإعطاء الأولويات. والوضعية التي تتناول نسيان إخراج الزكاة تغرس فيه قيمة التكافل والمسؤولية الاجتماعية. وهكذا، يصبح درس العبادات مجالًا لترسيخ القيم الإسلامية الكبرى: الصدق، الأمانة، الإخلاص، التعاون، الطهارة الباطنية والظاهرية.
ومن آثارها الاجتماعية أيضًا أنها تنمِّي الوعي الجماعي بروح العبادة، لأنها تبرز أن العبادة ليست علاقة فردية فحسب، بل وسيلة لبناء مجتمع متراحم ومتوازن. وهكذا تساهم الوضعية المشكلة في تحقيق الاندماج القيمي والاجتماعي، وترسّخ في ذهن المتعلم أن الدين ممارسة إنسانية راقية تشمل كل مجالات الحياة.
المحور الرابع: مقترحات عملية لتوظيف الوضعية المشكلة بفعالية
حتى تؤدي الوضعية المشكلة دورها في درس العبادات، ينبغي مراعاة الضوابط التالية:
- الملاءمة مع مستوى المتعلمين:
اختَر وضعيات قريبة من واقعهم (تأخير الصلاة، صيام في ظروف خاصة، صدقة رياء…). - الانطلاق من الحياة الواقعية:
يجب أن يشعر المتعلم أن الإشكال يخصه شخصيًا. - التدرج في الصعوبة:
ابدأ بوضعيات بسيطة، ثم طورها لتشمل مهارات التفكير الأعلى. - توظيف الوسائط الرقمية والمسرحة:
مثل فيديوهات قصيرة أو محاكاة افتراضية. - اعتماد التقويم بالوضعيات الإدماجية:
بتكليف المتعلم بحل مشكلات حقيقية تستدعي توظيف معارفه وسلوكياته.
بهذا الأسلوب يتحول درس العبادات إلى فضاء تطبيقي متكامل، ينمي التفكير والروح والقيم معًا.
الخاتمة: من فقه العبادات إلى فقه الحياة
إن اعتماد الوضعية المشكلة في درس العبادات يمثل نقلة نوعية في تدريس التربية الإسلامية، إذ يجعل التعلم الديني أكثر واقعية وفاعلية. فبفضلها يتحول المتعلم من حافظ للأحكام إلى فاعل في سلوك العبادة، ويكتشف أن العبادة منهج حياة لا ينفصل عن العلم والعمل.
إنها أداة تربوية تجمع بين الفكر والوجدان والسلوك، وتعيد بناء العلاقة بين المتعلم ودينه على أساس الوعي والمسؤولية والإحسان.
وبهذا النهج يتجدد درس التربية الإسلامية، ويتحول إلى مدرسة للحياة، تنمي إنسانًا مؤمنا متزنًا يعبد الله بعقل واعٍ وقلب مخلص وسلوك قويم.