التوحيد وأدلته، الدرس الثاني للجذع المشترك

التوحيد وأدلته

     تمهيد

 يعيش الإنسان في كونٍ مليءٍ بالآيات الدالة على عظمة الخالق ووحدانيته؛ فالشمس والقمر والكائنات تسير جميعها بنظامٍ دقيقٍ يثير التأمل والتفكر، وهب الله الإنسان العقل والفطرة ليدرك وحدانيته، وأنزل الوحي ليهديه إليه.

 ومن خلال هذا الدرس سنتعرف على مفهوم التوحيد وأقسامه ومكانته وأدلته النقلية والعقلية التي تثبت أن الله واحد لا شريك له.

المحور الأول: مفهوم التوحيد ومكانته وأقسامه في الإسلام

 أولا: مفهوم التوحيد:

لغة: التوحيد مأخوذ من «وَحَّدَ» يُوَحِّدُ توحيدًا، أي جعل الشيء واحدًا غير متعدد.

واصطلاحا: هو إفراد الله تعالى بما يختص به من ربوبية وألوهية وأسماء وصفات، والاعتقاد الجازم بأن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريك له في ملكه وتدبيره، وهو وحده المستحق للعبادة دون سواه. قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَےْءٞۖ وَهُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ ٩﴾ الشورى: 9، وقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ الإخلاص: 1،

ثانيا: مكانة التوحيد وأهميته في الإسلام:

  • التوحيد الأساس الذي تُبنى عليه العقيدة الإسلامية، وهو محور الدين كله؛
  • كل الرسالات السماوية جاءت لتقرير هذا الأصل العظيم؛
  • هو الدعامة الأولى التي يرتكز عليها الإيمان.

ثالثا: أقسام التوحيد: انطلاقًا من استقراء الأدلة، قسّم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام متكاملة:

1-         توحيد الربوبية

هو إفراد الله تعالى بأفعاله، والاعتقاد الجازم بأنه الخالق المالك المدبر الرازق، لا شريك له. قال تعالى: ﴿تَبَٰرَكَ اَ۬لذِے بِيَدِهِ اِ۬لْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَےْءٖ قَدِيرٌۖ ١﴾ الملك: 1

فالمؤمن يُقرّ بأن الله هو المتصرف في الكون، يُحيي ويميت، ويرزق ويمنع، ويملك كل شيء، وهو وحده المتكفل بتدبير شؤون الخلق.

2-         توحيد الألوهية

هو إفراد الله تعالى بالعبادة والطاعة، بأن تكون جميع أفعال العباد من صلاة وصوم ودعاء ونسك وذبح ورجاء وخوف لله وحده دون سواه. قال تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاٗ صَٰلِحاٗ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَداٗۖ ١٠٥﴾ الكهف: 105.  وقال سبحانه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ الإخلاص: 1،

فلا يُتخذ مع الله إله آخر، ولا يُعبد غيره، ولا يدعى سواه.

3-         توحيد الأسماء والصفات

هو إفراد الله تعالى بما سمّى ووصف به نفسه في كتابه الكريم أو على لسان نبيه ﷺ، بإثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عنها، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تشبيه. قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَےْءٞۖ وَهُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ ٩﴾ الشورى:9.

وأُسس هذا النوع من التوحيد ثلاثة:

  • تنزيه الله عن مشابهة خلقه في صفاته وأفعاله.
  • الإيمان بالأسماء والصفات كما وردت دون زيادة أو إنكار.
  • عدم البحث في كيفية الصفات لأن العقل لا يحيط بكيفية ذات الله.

المحور الثاني: أدلة التوحيد النقلية والعقلية:

أولا: الأدلة النقلية

الأدلة النقلية هي ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من نصوص تؤكد وحدانية الله تعالى وتنفي وجود شريك له في الربوبية أو الألوهية أو الأسماء والصفات. قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ الأنعام: 102. وأيضا قال جل شأنه ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ آل عمران: 18. ومن السنة قوله ﷺ: «أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، …» رواه أحمد.

فهذه النصوص تؤكد أن الله تعالى وحده الخالق المدبر، والمستحق وحده للعبادة.

ثانيا: الأدلة العقلية

–         العقل والفطرة السليمان يشهدان بوحدانية الله، لأن الكون مبني على الدقة والنظام، قال تعالى: ﴿لَا اَ۬لشَّمْسُ يَنۢبَغِے لَهَآ أَن تُدْرِكَ اَ۬لْقَمَرَ وَلَا اَ۬ليْلُ سَابِقُ اُ۬لنَّه۪ارِۖ وَكُلّٞ فِے فَلَكٖ يَسْبَحُونَۖ ٣٩﴾ يس 39، وليس على التعدد والاضطراب. كما في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ اِلَّا اَ۬للَّهُ لَفَسَدَتَاۖ﴾ الأنبياء: 22. وكذلك قال: ﴿مَا اَ۪تَّخَذَ اَ۬للَّهُ مِنْ وَّلَدٖۖ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنِ اِلَٰهٍۖ اِذاٗ لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهِۢ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٖۖ سُبْحَٰنَ اَ۬للَّهِ عَمَّا يَصِفُونَۖ ٩٢﴾ المؤمنون: 92 فلو كان هناك أكثر من إله، لاختلفت إراداتهم، وطغى بعضهم على بعض، ولفسد الكون واختل نظامه

القيم المستفادة من الدرس

  • التوحيد: جوهر العقيدة وأساس العبادة.
  • العلم: وسيلة لفهم دلائل الإيمان.
  • الإيمان: طمأنينة العقل وسعادة القلب.

للمزيد من الدروس

أضف تعليق